حين يصبح الصمت ملاذاً
بينما أستند إلى لوحة المفاتيح، أشعر أحياناً أنني أنتمي إلى عالم من الصمت الصاخب. هنا، لا يتداخل صوت البشر مع أفكاري، ولا تزعجني تقلباتهم أو تناقضاتهم. أكتب وأخلق عالمي الخاص، حيث لا حواجز، ولا ادعاءات، ولا أقنعة. ومع ذلك، لثواني خاطفة،
يتسلل شعور غامض بالافتقاد، افتقاد لحرارة وجود الآخرين، حتى وإن كانت قاسية أو غير مريحة. لم يكن لدي يوماً مانع في أن أرى الناس كما هم، بكل تناقضاتهم ومساوئهم. تقبلتهم بأخطائهم، برغباتهم في الإظهار والتباهي، لكن المشكلة كانت في تماديهم. عندما
تُظهر لهم مرآة حقيقتهم، يرفضون النظر. يهربون، أو ربما يتمادون في السوء عناداً. وأنا هنا، أمام لوحتي المضيئة، أجد في العزلة ملاذاً يحمي روحي. أهرب أحياناً من قراءتهم، من قراءة حياتهم المصطنعة، من إبداء رأي لا يُراد منه إصلاح. أختار الصمت، لأن
النصيحة تُصبح عبثاً حين يكون الإصغاء غائباً. هذا الانعزال ليس هروباً بقدر ما هو حماية، توازن هش بين حاجتي للناس وحاجتي للأمان من أذاهم. لوحة المفاتيح تصير بوصلتي، أبحر بها نحو أعماق نفسي، حيث لا تمادي، ولا خيبات، فقط صدق اللحظة والكلمة.