وجوه البؤس وأطياف الأمل
خلال رحلاتي الطويلة، كنتُ كمن يحمل مرآةً تعكس وجوه الحياة المختلفة. التقيت بالبؤس، ليس في صورته المجرّدة، بل في هيئاته المتعددة التي تروي حكايات البشر وأوجاعهم.
رأيته في عيون طفلٍ يبيع أحلامه المكسورة على الأرصفة، وفي يد عجوزٍ ترتجف وهي تمدّ طلبًا للكرامة وسط صخب المدن العمياء. رأيته في جدران بيوتٍ مهترئة تُخفي خلفها
قصصًا من الألم والصبر، وفي قلوب أناسٍ فقدوا الإيمان بضياء الغد. البؤس ليس غريبًا عن الأمكنة؛ فهو يتنقل بحرية بين الأحياء والأوطان، يطوف بأزقّةٍ تنزّ بالصمت، ويعبر
حدودًا لا يعترف بها أحد. رأيته في ضحكاتٍ مبتورة تُخفي خلفها جراحًا عميقة، وفي وجوهٍ باتت الظلال رفيقها الدائم. لكنني أدركتُ أن البؤس ليس النهاية، بل حالةٌ عابرة،
كريحٍ تهبّ ثم تهدأ. ففي ذات الأماكن التي زرع فيها البؤس حضوره، وجدتُ بصيص أملٍ يتسلل بين الشقوق، ويدًا تمتد لتزرع بذور الأمل في تربة الجراح. هناك،
بين البؤس والحلم، يعيش الإنسان في كفاحٍ دائم، يصنع من رماده طائرًا يحلق، ولو بأجنحةٍ مثقلة. هكذا تعلّمت أن الحياة ليست سوى مزيج من النور والظل،
وأن جمال الرحلة يكمن في رؤية كلا الوجهين، وفي السعي لفهمهما دون إصدار حكم.