عين لا يراها أحد
أن يكون لديك إدراك يشبه الحس السادس، يعني أن ترى بعينٍ أخرى، تُبصر ما وراء الظواهر، وتسمع همسات الأشياء التي تعجز آذان الآخرين عن إدراكها. تُدرك ارتعاشات الهواء حين يمرّ خاطفًا بين القلوب، وتشعر بنبض الحكايات المختبئة خلف ستائر الوجوه.
تصبح غريبًا في عالمٍ مألوف، غريبًا بين من يجهلون ما تعرفه، أو ربما يخافون منك لأنك ترى ما يعجزون عن رؤيته. في البداية، يثقل هذا الإدراك كاهلك. تُحيط بك الوحدة، أحيانًا بإرادتك، وأحيانًا تفرضها نظرات الآخرين وكلماتهم المغلفة بالحذر. تجد نفسك في
عداد المتجنَّبين، لا فرق بين أن تكون أنت من يتجنبهم أم هم من يتجنبونك. يبدو الأمر كأنه عزلة مفروضة، لكنها مع الوقت تتحول إلى اختيار. تعتاد على العزلة، وتكتشف أن هذا الإدراك الذي كان عبئًا هو نعمة، نعمة تمنحك عالمك الخاص. تُعيد ترتيب تفاصيل
الحياة كما تشاء، تُنصت لصمت الكون وتتحدث إليه بلغته. تتحرر من ضجيج العالم لتصنع سيمفونيتك الخاصة، نغمات منسوجة من أحلامك، مخاوفك، وكل تلك الصور التي تراها في فراغ الليل. العالم الخاص الذي تبنيه يصبح ملاذك، قصرًا من الخيال والحكمة.
هنا لا أحد يحكم عليك، لا أحد يخاف منك. تصبح سيد نفسك، حارس أسرارك، ورفيق أوقاتك. ورغم كل شيء، هناك جمال خفي في هذا العالم، جمال لا يراه إلا من كان مثلك، ممن عرفوا معنى أن يكونوا مرآة لما وراء الواقع.