بين الألم والأمل: عازف الرصيف
في زحمة المدينة، حيث تتعالى أصوات السيارات وتختلط رائحة الطعام بشذى القهوة، كان هناك مشهدٌ يختصر الكثير من الحكايات. رأيته يفترش الرصيف، عازفًا على وتر الألم والأمل في آنٍ واحد.
كان يجلس هناك، محاطًا بأشياء بسيطة: علبة قديمة لجمع التبرعات، وعود موسيقية بالية، وابتسامة تُخفي خلفها قصصًا لا تحصى. وجهه كان يحمل تجاعيد الزمن، وعيناه تلمعان كنجمتين في سماء حالكة. لم يكن مجرد رجل بلا مأوى؛ بل كان شاعرًا يعيش في عالمٍ خاص به.
بينما كنت أقترب منه، شعرت بأنني أدخل إلى عالم آخر. بدأ يعزف لحنًا قديمًا، وكأن أنامله تعزف على أوتار قلبي. كانت الموسيقى تنساب في الهواء، تأخذني بعيدًا عن صخب المدينة. كل نغمة كانت تحمل معها حكاية، وكل إيقاع كان يعكس مشاعر مختلطة من الفرح والحزن.
توقفتُ للاستماع، وفجأةً وجدت نفسي أشارك في تلك اللحظة. لم يكن هناك حاجة للكلمات؛ كانت الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي نتحدث بها. شعرت بأنني جزء من تلك اللحظة السحرية، حيث تلاشت الحدود بيننا.
بعد انتهاء العزف، اقتربت منه وألقيت بعض النقود في علبته. لكنه نظر إليّ بابتسامة عميقة وقال: "ليس المال ما أحتاجه، بل أن تستمع." كانت كلماته كالسحر، تلامس روحي بعمق.
غادرتُ المكان وأنا أشعر بأنني اكتسبت شيئًا ثمينًا. لكنه كان أكثر من مجرد عازف؛ كان معلمًا يعلمنا كيف نجد الجمال حتى في أصعب الظروف. في ذلك اليوم، أدركت أن الحياة مليئة بالألوان، حتى عندما تبدو رمادية.