المراعاة جسر والندم هاوية
المراعاة فضيلة تعلو فوق كبرياء النفوس، تُهذّب الطباع، وتلهم الأرواح طريقًا نحو التآلف والتفاهم. هي صوت العقل حين يعلو ضجيج المشاعر، وهي يد اللطف التي تمتد لتصلح ما يمكن أن يكسره الاندفاع. المراعاة ليست ضعفًا، بل قوة تحمي العلاقات من الانهيار، وتعيد للنفس اتزانها حين تميل إلى القسوة أو الغفلة.
لكن حين يغيب هذا اللطف، ويحلّ الخلاف محلّ المراعاة، يصبح الطريق مهيأً للندم. فكثيرًا ما يبتدئ الخلاف صغيرًا، كشرارة في عشبٍ يابس، لكنه سرعان ما يتحول إلى حريق يأتي على كل ما كان جميلًا. كلمة غير محسوبة، أو موقف متعجرف، قد يكونان كافيين لتهديم جسر بُنيت دعائمه بحب وصبر.
الخلاف ليس عيبًا في حد ذاته، فهو جزء من طبيعة البشر، لكنه يصبح خطيئة حين يخلو من حسن النية، وحين يغيب عنه الاحترام. وما أشدّ قسوة الندم حين ينقشع الغضب، فنجد أنفسنا أمام أطلال علاقةٍ لم ندرك قيمتها إلا بعد أن ضاعت.
إن الفضيلة الحقيقية تكمن في أن نختار المراعاة حتى في خضم الخلاف، أن نضبط النفس قبل أن تنطق بما يجرح، وأن نتذكر دائمًا أن التصالح أهون من الندم، وأن حفظ الوصل أسمى من كل انتصارٍ زائف.