بين العثور والفرار: فلسفة المسافر

لدى كل مسافر رغبة خفية تتأرجح بين العثور والفرار. هو في حقيبته يحمل الأمل، وفي قلبه يسكن قلق لا يهدأ. المسافر ليس فقط من يقطع المسافات على الأرض، بل هو ذاك الذي يشق بحار ذاته بحثًا عن ميناء يطمئن فيه.

في كل خطوة، يرسم المسافر خارطة جديدة لأحلامه، يظن أن الطريق قد يقوده إلى الجواب الذي يتوق إليه، أو إلى النسيان الذي يهرب منه. ربما يسافر بحثًا عن ضوء يغمر روحه، أو هربًا من ظلال تثقل صدره.

المسافر يحمل عينيه نافذتين، يلتقط فيهما جمال العالم وندوب التجارب. يرى في المدن التي يعبرها انعكاسًا لما يختلج داخله، يلتقي وجوهًا تشبهه وأخرى تثير فيه تساؤلات جديدة.

ولكن، مهما كان السبب، يبقى السفر وعدًا ضمنيًا بالتغيير. فمن يجد نفسه في سفر، يجد جزءًا مفقودًا من روحه، ومن يهرب عبر السفر يدرك أن المسافات قد لا تُغيِّر، لكنها تمنحك فرصة لترى ذاتك من زاوية جديدة.

لعل الرحلة الحقيقية ليست فيما يكتشفه المسافر خارج ذاته، بل في ما يكتشفه داخله، هناك حيث الأسئلة الحقيقية تنام بانتظار يقظته.