jan 24, 2019 10:11:20 AM
بين الوطن والغربة: شوق لا ينتهي
لا أكاد أغادره حتى يَنبُتَ الشوق في صدري كزهرة برية، الوطن. كلما ابتعدت عنه، أدركتُ أن في جوفِ ترابه حنينًا لا ينتهي، وفي أزقته ذِكرياتٍ تتسلل إلى عقلي كما يتسلل النور إلى العتمة. هو الحنين الذي يُثقل الخطوات عند المغادرة، ويُسافر معي في كل مكان.
وحين أعود، تتوسلني الغربة أن أعود إليها. كأن في الغياب عن الوطن سحرًا خفيًا، كأن في المسافات بوحًا صامتًا يدعوني إليها. الغربة، تلك التي تأسرني بحريتي، كلما ابتعدت عن الوطن، وجدتها تنتظرني بشوقها الخاص، بأبوابٍ مفتوحة على احتمالاتٍ لا تنتهي. كلاهما يشدني، وكلاهما يشتاقني.
كأنني بينهما، عالقٌ في منتصف مسافةٍ لا تُرى، بين حبٍّ لا ينتهي للوطن وشوقٍ لا يفتر للغربة. ففي الوطن، أجد نفسي، أتنفس هواءه كأنني أتغذى من جذوره، أتعانق مع ماضيّ وأتلحف بذكريات الطفولة والحكايات التي تربطني به. لكن، ما إن تطول إقامتي فيه، حتى تستيقظ في داخلي رغبة الانطلاق، رغبة الترحال التي تغذيها الغربة بحلم الحرية والانعتاق من قيود الاعتياد.
أما الغربة، فهي الحلم البعيد، الأفق الذي لا حدود له، حيث تتفتح الأبواب على عوالم جديدة، وتغمرني التجارب بألوان لم أرها من قبل. ولكن، كلما جبت في دروبها، أدركت أنني أحمل الوطن في قلبي، لا أستطيع الفكاك منه، فهو يلاحقني أينما ذهبت، في كل زاوية، في كل نظرةٍ شاردة، كظلٍ لا يفارقني.
في الغربة، أجد نفسي حرًا، لكنني أظل غريبًا، غريبًا عن الأرض والناس واللهجات، كأن روحي تنقسم بين مكانين، بين وطنٍ يسكنني وغربةٍ تُغريني. فكيف للإنسان أن يجد سكينةً في عالمين، وكيف له أن يشفى من شوقٍ لا يُشفى؟