سياسة البقاء
البقاء ليس عبثًا تُلقيه أمواج الحياة على شواطئ المصادفة، بل هو سياسة مدروسة، تكتمل ملامحها على هيئة صفقات مع الزمن، وتحالفات مع الظروف، وقرارات لا تُفهم إلا من قِبل أولئك الذين يَشهدون خفايا المعركة.
سياسة البقاء تبدأ حين تُدرك أن الحياة ليست ميدانًا للعدالة، بل ساحة توازنات دقيقة، حيث تُساوم بين ما تُريد وما يُفرض عليك. إنها لعبة معقدة من التنازل والتشبث، من الانحناء للعواصف دون أن تفقد جذورك الممتدة عميقًا في الأرض.
في سياسة البقاء، تتعلم كيف تُعيد تشكيل الأدوار. تُصبح أنت اللاعب الذي لا تُرهقه خطط القدر، بل يسبقها بخطوة. تُتقن فنون الانحناء حينما تشتد الرياح، وفن الوقوف بثبات حين يسود الهدوء. البقاء سياسة من نوع خاص،
لا تُكتب في الدساتير، لكنها تُحفر في أعماق القلوب. البقاء سياسة تُبنى على الاقتصاد في العواطف، فلا تُنفق قلبك على من لا يستحق، ولا تُسرف في الأحلام حتى لا تنفد منك الحياة.
إنه توازن بين القناعة والطموح، بين الحذر والثقة، بين الجرأة والخوف. سياسة البقاء تعلمك أن تُفاوض ذاتك قبل أن تُفاوض العالم. أن تُقنع نفسك بأن لكل شيء ثمن، وأنك أحيانًا تدفع الثمن بالصبر،
وأحيانًا بالكبرياء، وأحيانًا بالصمت الموجع. في نهاية المطاف، سياسة البقاء ليست انتصارًا في كل معركة، لكنها قدرة على البقاء في الميدان. إنها أن تعرف متى تنسحب، ومتى تهاجم، ومتى تكتفي بالوقوف على الحافة.
إنها فن السيطرة على الفوضى، وحكمة الموازنة بين ما تريد الحياة أخذه وما تريد أنت الاحتفاظ به. البقاء ليس عشوائية، إنه قرار. وهو ليس قرارًا تتخذه مرة واحدة، بل تتخذه كل يوم، وأحيانًا كل لحظة.