"حين يصبح الواقع سرابًا"
لا يشعر بالواقع، وكأنه يعيش بين جدران غير مرئية تفصله عن كل شيء يحدث حوله. كأن العالم قد انزلق إلى بُعد آخر، وهو عالق في فراغٍ رمادي، لا لون له ولا رائحة. الأصوات تصله بعيدة، مكسورة، وكأنها تصطدم بزجاجٍ غير مرئي قبل أن تصل إلى أذنيه. يمشي في الطرقات، لكن قدميه لا تلامسان الأرض. يرى الناس يتحركون، يتحدثون، يضحكون، لكنهم يظهرون له أشبه بصور باهتة تُعرض على شاشة قديمة. حتى نبضه، الذي كان يومًا ما يطرق كساعة حائط في صدره، بات خافتًا، بالكاد يسمعه، وكأن قلبه يتساءل: ما جدوى أن يخفق إذا كان الواقع نفسه لا وجود له؟ الزمن؟ لا معنى له. الأمس واليوم والغد أصبحوا متشابكين، كخيوطٍ متداخلة في نسيجٍ عبثي. الليل ليس ليلًا، والنهار ليس نهارًا. كل شيء انصهر في لحظة واحدة ممتدة، لحظة بلا بداية ولا نهاية. يحاول أن يلمس الأشياء، أن يتحقق من وجودها، لكنها تفلت منه، كأنها دخان أو وهم. حتى نفسه، عندما ينظر في المرآة، لا يجدها. يرى ملامح شاحبة، عيونًا تبحث عن شيءٍ لم تعثر عليه أبدًا، ووجهًا لا ينتمي له. هل هذا هروب؟ أم هو مجرد شبح يتجول في حياة ليست حياته؟ لا يعلم. كل ما يعلمه أنه هنا، لكنه ليس هنا. ربما هو مجرد فكرة، فكرة تتخبط في رأس أحدهم، تبحث عن واقع لم يُكتب لها أن تكون جزءًا منه.