Image
مجرد بوح - مدونة شخصية
الرئيسية
الرئيسية
من انا
من انا
نصوص
نصوص
متجر
متجر
اتصل بي
اتصل بي
Feb 13, 2025 10:30:08 AM

حين يخذلنا الكلام

https://s3.amazonaws.com/media-prod.butternut.ai/website_images/6705046ba9d0976b9c78dd27/2cd5a8a0-2e1f-481d-9d97-9668cd057e9e

هناك لحظات في الحياة تضعنا أمام صمتٍ عميق، صمت لا ينبع من غياب الكلمات، بل من ثقل الشعور الذي لا تستطيع أن تحمله الحروف أو الأصوات. إنها تلك اللحظات التي تشعر فيها أن اللغة بأكملها بكل مفرداتها عاجزة، ضعيفة، وأقل من أن تُترجم ما يجول في قلبك. يخذلنا الكلام. نقف أمام أوجاعنا أو أفراحنا أو حتى ذهولنا مما يحدث، نحاول أن ننطق، أن نحكي، أن نصف، لكن شيئًا ما يتشابك داخلنا، يربط ألسنتنا ويفقد الكلمات معناها. تتردد الحروف قبل أن تخرج، رغم أننا نحمل شعورًا يفيض في دواخلنا، شعورًا نخشى إن بقي مكبوتًا أن يثقل أرواحنا أكثر من اللازم. عندما يعجز الكلام عن أن يكون مرآة لما نشعر، نجد أنفسنا أمام خيارٍ أوحد: الكتابة الصامتة. إنها الكتابة التي لا تتطلب صوتًا، فقط دموعًا تختبئ بين السطور، أو ابتسامة خجولة تمتزج بالحروف دون أن تُرى. الكتابة لا تسأل لماذا نعجز عن النطق، بل تفتح لنا ذراعيها كملاذ واسع، كفضاء آمن نضع فيه كل تلك الأصوات التي تصم داخلنا ولا يمكن أن نشاركها بأي شكل آخر. إنها كتابة بلا تكلُّف، بلا خوف من الأحكام، وبلا محاولات لإرضاء أحد. هي حديث الروح مع الورق، لغة تتجاوز المنطوق لتغوص في أعماق المشاعر، حيث لا أحد يراقب أو يقاطع أو يشكك في صدق ما يُقال. هنا يمكنك أن تكون صريحًا، أن تقول كل ما عجزت عن التعبير عنه بصوتك، أن تصرخ على الورق أو تضحك بين الحروف، دون أن تضطر لشرح نفسك. قد يكون الحزن هو السبب في عجزنا عن النطق، أو ربما السعادة التي تأسرنا بقوتها، أو حتى الخوف من أن تُساء كلماتنا فهمها. في كل حالة، نجد أن الكتابة الصامتة تُنصفنا؛ فهي تُجرد المشاعر من أصواتها لتتركها نقيّة، عارية، لا تحتاج إلى زخرفة أو تفسير. حينما يخذلنا الكلام، تصبح الكتابة فعلًا شافيًا. نشعر أننا قد أعدنا ترتيب مشاعرنا فوق الورق، وكأننا قد أخرجنا هذا الثقل الخفي وأعطيناه كيانًا منفصلاً يمكننا الآن مراقبته من بعيد. الكتابة هنا ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي طوق نجاة يُنقذنا من أن نظل مسجونين في صمتنا. ربما لن يفهم الآخرون تلك الكلمات المكتوبة. قد يقرؤونها ولا يشعرون بما شعرت به عندما وضعتها بين السطور. لكن الكتابة لم تكن لهم من الأساس. إنها لك أنت وحدك، طريقة لتتحدث إلى نفسك عندما يعجز الجميع عن الاستماع أو الفهم. في النهاية، حين يخذلنا الكلام، نحمد الله على نعمة الكتابة. فهي الحوار الذي لا ينقطع، والصديق الذي لا يمل الإصغاء. إنها المساحة التي نكتب فيها أوجاعنا وأفراحنا بلا حُكم، بلا قيود، وبكل ما يحمل القلب من صدقٍ وشعور.


Share :
Related Posts
See All

القاع: بداية النهوض" 

ثلاثية العقول: الجهل، الغفلة، والذكاء" 

لعلك بخير

Imageمجرد بوح - مدونة شخصية
الرئيسيةمن انانصوصمتجراتصل بي
Privacy Policy
Terms & Conditions
© Copyright 2024, All Rights Reserved by مجرد بوح - مدونة شخصية